فصل: وفاه الصاحب ابن عباد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  وفاه الصاحب ابن عباد

وفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة توفي أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة بالري وكان أوحد زمانه علماً وفضلاً ورياسةً ورأياً وكرماً وعرفاً بأنواع العلوم عارفاً بالكتابة ورسائله مشهورة مدونة‏.‏وجمع من الكتب ما لم يجمعه أحد حتى يقال كانت تنقل في أربعمائة حمل‏.‏ووزر بعده لفخر الدولة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي الملقب بالكافي‏.‏ولما توفي استصفى فخر الدولة أمواله بعد أن أوصاه عند الموت فلم ينفذ وصيته‏.‏وكان الصاحب قد أحسن إلى القاضي عبد الجبار المعتزلي وقدمه وولاه قضاء الري وأعمالها‏.‏فلما مات قال عبد الجبار‏:‏ لا أرى الترحم عليه لأنه مات على غير توبة ظهرت منه فنسب إليه قلة الوفاء بهذه المقالة‏.‏ثم صادر فخر الدولة عبد الجبار فباع في المصادرة ألف طيلسان وألف ثوب من الصوف الرفيع‏.‏ثم تتبع فخر الدولة آثار ابن عباد وأبطل ما كان عنده من المسامحات وقبض على أصحابه والبقاء لله وحده‏.‏ ثم توفي فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب الري وأصفهان وهمذان

في شعبان سنة خمس وثلاثين بقلعة طبرك ونصب للملك من بعده ابنه مجد الدولة أبو طالب رستم وعمره أربع سنين نصبه الأمراء وجعلوا أخاه شمس الدولة بهمذان وقرميس إلى حدود العراق وكان زمام الدولة بيد أم رستم مجد الدولة وإليها تدبير ملكه وبين يديها في مباشرة الأعمال أبو ظاهر صاحب فخر الدولة وأبو العباس الضبي الكافي‏.‏

  وفاة العلاء بن الحسن صاب خوزستان

ثم توفي العلاء بن الحسن عامل خوزستان لصمصام الدولة بعسكر مكرم فبعث صمصام الدولة أبا علي بن أستاذ هرمز بالمال ففرقه في الديلم ودفع أصحاب بهاء الدولة عن جنديسابور بعد وقائع كان الظفر فيها له ثم دفعهم عن خوزستان إلى واسط واستمال بعضهم فنزعوا إليه ورتب العمال في البلاد وجبى الأموال سنة سبع وثمانين‏.‏ثم سار أبو محمد بن مكرم من واسط مع الأتراك فدافعهم وكانت بينه وبينهم وقائع‏.‏ثم سار بهاء الدولة في أثرهم من واسط وكان لحق بهم في واسط أبو علي بن إسماعيل الذي كان نائباً ببغداد عند مسيره إلى الأهواز سنة ست وثمانين وجاء المقلد بن المسيب من الموصل للعيث في جهات بغداد فبرز أبو علي لقتاله فنكر ذلك بهاء الدولة مغالطة وبعث من يصالحه ويقبض على أبي علي فهرب أبو علي إلى البطيحة‏.‏ثم لحق بهاء الدولة وهو بواسط فوزر له وزير أمره وأشار عليه بالمسير لإنجاد أبي محمد بن مكرم في قتال أبي علي بن أستاذ هرمز بخوزستان فسار بهاء الدولة ونزل القنطرة البيضاء وجرت بينه وبين أبي علي بن أستاذ هرمز وقائع وانقطعت الميرة عن عسكر بهاء الدولة فاستمد بدر بن حسنويه فأمنه ببعض الشيء وكثرت سعاية الأعداء في أبي علي بن إسماعيل فكاد ينكبهم وبينما هم على ذلك بلغهم مقتل صمصام الدولة فصلحت الأحوال واجتمعت الكلمة‏.‏

  مقتل صمصام الدولة

كان أبو القاسم وأبو نصر ابنا بختيار محبوسين كما تقدم فخدعا المتوكلين بهما في القلعة وخرجا فاجتمع إليهما لفيف من الأكراد‏.‏وكان صمصام الدولة قد عرض جنده وأسقط منهم نحواً من ألف لم يثبت عنده نسبهم في الديلم فبادروا إلى ابني بختيار والتقوا عليهما في أرجان وكان أبو جعفر أستاذ هرمز مقيماً فثار به الجند ونهبوا داره فاختفى‏.‏ثم انتقضوا على صمصام الدولة ونهبوه وهرب إلى الرودمان على مرحلتين من شيراز فقبض عليه صاحبها وجاء أبو نصر بن بختيار فأخذه منه وقتله في ذي الحجة سنة ثمان لتسع سنين من إمارته بفارس وأسلمت أمه إلى بعض قواد الديلم فقتلها ودفنها بداره حتى ملك استيلاء بهاء الدولة علي فارس وخوزستان ولما قتل صمصام الدولة وملك ابنا بختيار فارس بعثا إلى أبي علي بن أستاذ هرمز يستميلانه ويأمرانه بأخذ العهد لهما على الذين معه من الديلم ومحاربة بهاء الدولة وكتب إليه بهاء الدولة يستميله ويؤمنه ويؤمن الديلم الذين معه ويرغبهم واضطرب رأي أبي علي لخوفه من ابني بختيار لما أسلف من قتل إخوتهما وحبسهما فمال عنهما ومال الديلم عن بهاء الدولة خوفاً من الأتراك الذين معه فما زال أبو علي بهم حتى بعثوا جماعة من أعيانهم إلى بهاء الدولة واستوثقوا يمينه ونزلوا إلى خدمته وساروا إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز وأرجان‏.‏واستولى بهاء الدولة على سائر بلاد خوزستان وبعث وزيره أبا علي بن إسماعيل إلى فارس فنزل بظاهر شيراز وبها ابنا بختيار فحاربهما ومال بعض أصحابهما إليه‏.‏ثم انفضوا عنهما إلى أبي علي وأطاعوه واستولى على شيراز ولحق أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم وأخوه أبو القاسم ببدر بن حسنويه ثم بالبطيحة‏.‏وكتب الوزير أبو علي إلى بهاء الدولة بالفتح فسار إلى شيراز وأمر بنهب قرية الرودمان فملكها وأقام بهاء الدولة بالأهواز واستخلف ببغداد أبا علي بن جعفر المعروف بأستاذ هرمز ولقبه عميد العراق‏.‏وبقي ملوك الديلم بعد ذلك يقيمون بفارس والأهواز ويستخلفون على العراق مدة طويلة ، ^? لما استقر أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم كاتب جند الديلم بفارس وكرمان واستمالهم فاستدعوه إلى فارس فاجتمع إليه كثير من الربض والديلم والأكراد‏.‏ثم سار إلى كرمان وبها أبو جعفر بن السيرجان ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها وملك أكثر كرمان فبعث بهاء الدولة وزيره الموفق أبا علي بن إسماعيل في العساكر‏.‏ولما وصل جيرفت استأمن إليه أهلها وملكها وهرب ابن بختيار فاختار الوزير من أصحابه ثلاثمائة رجل وسار في اتباعه وترك باقي العسكر بجيرفت‏.‏ولما أدركه أوقع به وغدر بابن بختيار بعض أصحابه فقتله وجاء برأسه إلى الموفق واستلحم الباقين وذلك سنة تسعين‏.‏واستولى الموفق على كرمان وولى عليها أبا موسى سياه جشم‏.‏وعاد إلى بهاء الدولة فقبض عليه واستصفاه وكتب إلى وزيره سابور بالقبض على أنسابه وأصحابه فدس إليهم سابور بذلك وهربوا‏.‏ثم قتل بهاء الدولة الموفق سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ثم استعمل بهاء الدولة على خوزستان وأعمالها أبا علي الحسن بن أستاذ هرمز ولقبه عميد الجيوش وعزل عنها أبا جعفر الحجاج بن هرمز لسوء سيرته وفساد أحوالها بولايته وكثرة مصادراته فصلحت حالها بولاية أبي علي وحصل إلى بهاء الدولة منها الأموال مع كثرة العدل‏.‏مسير ظاهر بن خلف إلى كرمان واستيالؤه عليها ثم أرتجاعها قد تقدم لنا أن ظاهر بن خلف خرج عن طاعة أبيه خلف بن أحمد السجستاني وحاربه فظفر به أبوه فسار إلى كرمان يروم التوثب عليها وتكاسل عاملها عن أمره فكثر جمعه واجتمع إليه بحيالها كثير من المخالفين فنزل بهم إلى جيرفت فملكها وملك غيرها سنة إحدى وتسعين‏.‏وكان بكرمان أبو موسى سياه جشم فسار إليه بمن معه من الديلم فهزمه ظاهر وأخذ ما بقي بيده فبعث بهاء الدولة أبا جعفر أستاذ هرمز في العساكر إلى كرمان فهزم ظاهراً إلى سجستان وملك كرمان وعادت الديلم‏.‏

  حروب عساكر بهاء الدولة مع بني عقيل

كان قرواش بن المقلد قد بعث جمعاً من بني عقيل سنة ثلاث وتسعين فحاصروا المدائن وبعث أبو جعفر الحجاج بن هرمز وهو ببغداد نائب لبهاء الدولة عساكره فدفعوهم عنها فاجتمع بنو عقيل وأبو الحسن بن مزيد من بني أسد وبرز إليهم الحجاج واستدعى خفاجة من الشام وقاتلهم فانهزم واستبيح عسكره وانهزم ثانياً وبرز إليهم فالتقوا بنواحي الكوفة فهزمهم وأثخن فيهم ونهب من حلل بني يزيد ما لا يعبر عنه من العين والمصاغ والثياب‏.‏

  الفتنة بين أبي علي وأبي جعفر

لما غاب أبو جعفر الحجاج عن بغداد قام بها العيارون واشتد فسادهم وكثر القتل والنهب فبعث بهاء الدولة أبا علي بن جعفر المعروف بأستاذ هرمز لحفظ العراق فانهزم أبو جعفر بنواحي الكوفة مغضباً‏.‏ثم جمعوا الجموع من الديلم والأتراك والعرب فانهزم جعفر وأمن أبو علي جانبه فسار إلى خوزستان وبلغ السوس فأتاه الخبر بأن أبا جعفر عاد إلى الكوفة فكر راجعاً وعاد الحرب بينهم‏.‏وبينما هم على ذلك أرسل بهاء الدولة إلى أبي علي يستدعيه سنة ثلاث وتسعين لحرب ابن واصل بالبصرة فسار إليه وكانت الحرب بينه وبين ابن واصل كما يأتي في أخبار ملوك البطيحة ورجع إلى بغداد‏.‏ونزل أبو جعفر على فلح حامي طريق خراسان وأقام هنالك وكان فلح مبايناً لعميد الجيوش أبي علي‏.‏وتوفي سنة سنة سبع وتسعين فولى أبو علي مكانه أبا الفضل بن عنان و بهاء الدولة في محاربة ابن واصل بالبصرة فأتاهم الخبر بظهور بهاء الدولة عليه فأوهن ذلك منهم وافترقوا‏.‏ولحق ابن مزيد ببلده وسار أبو جعفر وابن عيسى إلى حلوان‏.‏وأرسل أبو جعفر في إصلاح حاله عند بهاء الدولة فأجابه إلى ذلك وحضر عنده بتستر فأعرض عنه خوفاً أن يستوحش أبو علي‏.‏وحقد بهاء الدولة لبدر بن حسنويه فسار إليه وبعث إليه بدراً في المصالحة فقبله وانصرف وتوفي أبو جعفر الحجاج بن هرمز بالأهواز سنة إحدى وأربعمائة‏.‏

  الفتنة بين مجد الدولة صاحب الري وبين أمه

واستيلاء ابن خالها علاء الدين بن كاكويه على قد تقدم لنا ولاية مجد الدولة أبي طالب رستم بن فخر الدولة على همذان وقرميسين إلى حدود العراق وتدبير الدولتين لأمه وهي متحكمة عليها فلما وزر لمجد الدولة الخطير أبو علي بن علي بن القاسم استمال الأمراء عنها وخوف مجد الدولة منها فاسترابت وخرجت من الري إلى القلعة فوضع عليها من يحفظها فأعملت الحيلة‏.‏حتى لحقت ببدر بن حسنويه مستنجدة به‏.‏وجاءها ابنها شمس الدولة في عساكر همذان وسار معهما بدر وذلك سنة سبع وتسعين فحاصروا أصفهان وملكوها عنوةً‏.‏وعاد إليها الأمر فاعتقلت مجد الدولة ونصبت شمس الدولة للملك ورجع بدر إلى بلده‏.‏ثم بعد سنة استرابت بشمس الدولة فأعادت مجد الدولة إلى ملكه‏.‏وسار شمس الدولة إلى همذان وانتقض بدر بن حسسنويه لذلك وكان في شغل بفتنة ولده هلال‏.‏واستمد شمس الدولة فأمده بعسكر وحاصرهم فاستصعبت عليه وكان علاء الدين أبو حفص بن كاكويه ابن خال هذه المرأة وكاكويه هو الخال بالفارسية فلذلك قيل له ابن كاكويه وكانت قد استعملته على أصفهان فلما فارق أمرها فسد حاله فسار هو إلى بهاء الدولة بالعراق وأقام عنده فلما عادت إلى حالها هرب أبو حفص إليها من العراق فأعادته إلى أصفهان ورسخ فيها ملكه وملك بنيه كما يأتي في أخبارهم‏.‏

  وفاة عميد العراق وولاية فخر الملك خدمة ابنه صمصام الدولة

فلما قتل صمصام الدولة رجع إلى بهاء الدولة‏.‏وبلغه ما وقع ببغداد في مغيبه من الهرج وظهور العيارين فبعث بهاء الدولة مكانه على العراق فخر الملك أبا غالب وأصعد إلى بغداد فلقيه الكتاب والقواد والأعيان في ذي الحجة من السنة وبعث العساكر من بغداد لقتال أبي الشوك حتى استقام‏.‏وكانت الفتنة قد وقعت بين بدر بن حسنويه وابنه هلال واستنجد بدر بهاء الدولة فأنجده من يده وأخذ ما فيها من الأموال وفتح دير العاقول‏.‏وجاء سلطان وعلوان ورجب بنو ثمال الخفاجي في أعيان قومهم وضمنوا حماية سقي الفرات من بني عقيل وساروا معه إلى بغداد فبعثهم مع ذي السعادتين الحسن بن منصور للأنبار فعاثوا في نواحيها وحبس ذو السعادتين نفراً منهم‏.‏ثم أطلقهم فهموا بقبضه وشعر بهم فحاول عليهم حتى قبض على سلطان منهم وحبسهم ببغداد‏.‏ثم شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد فأطلقهم فاعترضوا الحاج سنة اثنتين وأربعمائة ونهبوهم فبعث فخر الملك إلى أبي الحسن بن مزيد بالانتقام منهم فلحقهم بالبصرة فأوقع بهم وأثخن فيهم واسترد من أموال الحاج ما وجد وبعث به وبالأسرى إلى فخر الملك‏.‏ثم اعترضوا الحاج مرة أخرى ونهبوا سواد الكوفة فأوقع بهم أبو الحسن بن مزيد مثل ذلك وبعث بأسراهم إلى بغداد‏.‏

  وفاة بهاء الدولة وولاية ابنه سلطان الدولة

وأربعمائة بأرجان وحمل إلى تربة أبيه بمشهد علي فدفن بها لأربع وعشرين سنة من ملكه وملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع وعمار من أرجان إلى شيراز وولى أخاه جلال الدولة أبا ظاهر على البصرة وأخاه أبا الفوارس على كرمان‏.‏

  استيلاء شمس الدولة على الري

من يد أخيه مجد الدولة ورجوعه عنها قد تقدم لنا أن شمس الدولة بن فخر الدولة كان ملك همذان وأخوه مجد إلى ملك الري بنظر أمه وكان بدر بن حسنويه أمير الأكراد وبينه وبين ولده هلال فتنة وحروب نذكرها في أخبارهم‏.‏واستولى شمس الدولة على كثير من بلادهم وأخذ ما فيها من الأموال كما يذكر في أخبارهم‏.‏ثم سار إلى الري يروم ملكها ففارقها أخوه مجد الدولة ومعه أمه إلى دنباوند‏.‏واستولى شمس الدولة على الري وسار في طلب أخيه وأمه فشغب الجند عليه وطالبوه بأرزاقهم فعاد إلى همذان وعاد أخوه مجد الدولة وأمه إلى الري‏.‏

  مقتل فخر الملك ووزارة ابن سهلان

ثم قبض سلطان الدولة على نائبه بالعراق ووزيره فخر الملك أبي غالب وقتله سلخ ربيع الأول سنة ست وأربعمائة لخمس سنين ونصف من ولايته واستصفى أمواله وكانت ألف ألف دينار سوى العروض وما نهب‏.‏وولى مكانه بالعراق أبا محمد الحسن بن سهلان ولقبه عميد الجيوش واستوزر مكانه الرجحي بعد أن كان ابن سهلان هرب إلى قرواش فأقامه عنده بهيت وولى سلطان الدولة مكانه في الوزارة أبا القاسم جعفر بن فسانجس‏.‏ثم رجع ابن سهلان إلى سلطان الدولة فلما قتل فخر الملك ولاه مكانه فسار إلى العراق في محرم سنة تسع وأربعمائة ومر في طريقه ببني أسد فرأى أن يثأر منهم من مضر بن دبيس بما كان قبض عليه قديماً بأمر فخر الملك فأسرى إليه و أخيه مهارش وفي جملته أخوهم طراد وأتبعهما حتى أدركهما وقاتله رجال الحي فقتل جماعة من الديلم والأتراك‏.‏ثم انهزموا ونهب ابن سهلان أموالهم وسبى حريمهم وبذل الأمان لمضر ومهارش وأشرك بينهما وبين طراد في الجزيرة‏.‏ونكر عليه سلطان الدولة ذلك ورحل هو إلى واسط والفتن بها فقتل جماعة منهم وأصلحها وبلغه ما ببغداد من الفتنة فسار إليها ودخلها في ربيع من السنة وهرب منه العيارون ونفى جماعة من العباسيين وأبا عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة وأنزل الديلم بأطراف البلد فكثر فسادهم وفساد الأتراك وساروا إلى سلطان الدولة بواسط شاكين من ابن سهلان فوعدهم وأمسكهم وبعث عن ابن سهلان فارتاب وهرب إلى بني خفاجة ثم إلى الموصل ثم استقر بالبطيحة‏.‏وبعث سلطان الدولة العساكر في طلبه فأجاره وإليها الشرابي وهزم العساكر‏.‏وكان ابن سهلان سار إلى جلال الدولة بالبصرة ثم أصلح الرجحي حاله مع سلطان الدولة ورجع إليه‏.‏وضعف أمر الديلم في هذه السنة ببغداد وواسط وثارت لهم العامة فلم يطيقوا مدافعتهم‏.‏ثم قبض سلطان الدولة على وزيره فسانجس وأخويه واستوزر أبا غالب ذا السعادتين الحسن بن منصور‏.‏وقبض جلال الدولة صاحب البصرة على وزيره أبي سعد عبد الواحد علي ابن ماكولا‏.‏

  انتقاض أبي الفوارس علي أخيه سلطان الدولة

كان سلطان الدولة قد ولى أخاه أبا الفوارس على كرمان فاجتمع إليه بعض الديلم وداخلوه في الانتقاض فانتقض وسار إلى شيراز فملكها سنة سبع وأربعمائة‏.‏وسار سلطان الدولة فهزمه إلى كرمان وسار في اتباعه فلحق بمحمود بن سبكتكين ببست ووعده بالنصرة وبعث معه أبا سعيد الطائي في العساكر إلى كرمان وقد انصرف عنها سلطان الدولة إلى بغداد فملكها أبو الفوارس وسار إلى بلاد فارس فملكها ودخل إلى شيراز فسار سلطان الدولة إليه فهزمه فعاد إلى كرمان سنة ثمان وأربعمائة‏.‏وبعث سلطان الدولة في أثره فملكوا عليه كرمان ولحق بشمس الدولة صاحب همذان لأنه كان أساء معاملة أبي سعيد الطائي فلم يرجع إلى محمود بن سبكتكين‏.‏ثم فارق شمس الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة فبالغ في تكرمته وأنزله بداره‏.‏وأنفذ إليه أخوه جلال الدولة مالاً وعرض عليه المسير إليه فأبى‏.‏ثم ترددت الرسل بينه وبين أخيه سلطان الدولة فعاد إلى كرمان وبعث إليه التقليد والخلع‏.‏وثوب مشرف الدولة علي أخيه سلطان الدولة ببغداد واستبداده آخراً بالملك ثم شغب الجند على سلطان الدولة ببغداد سنة إحدى عشرة ونادوا بولاية مشرف لدولة أخيه فهم بالقبض عليه فلم يتمكن من ذلك‏.‏ثم أراد الانحدار إلى واسط لبعض شؤون الدولة فطلب الجند أن يستخلف فيهم أخاه مشرف الدولة فاستخلفه‏.‏ورجع من واسط إلى بغداد‏.‏ثم اعتزم على قصد الأهواز فاستخلف أخاه مشرف الدولة ثانياً على العراق بعد أن كانا تحالفا أن لا يستخلف أحد منهما ابن سهلان‏.‏فلما بلغ سلطان الدولة تستر استوزر ابن سهلان فاستوحش من مشرف الدولة‏.‏ثم بعث سلطان الدولة إلى الأهواز فنهبوها فدافعهم الأتراك الذين بها وأعلنوا بدعوة مشرف الدولة فانصرف سلطان الدولة عنهم‏.‏ثم طلب الديلم من مشرف الدولة المسير إلى بيوتهم بخوزستان فأذن لهم وبعث معهم وزيره أبا غالب ولحق الأتراك الذين كانوا معه بطراد بن دبيس الأسدي بجزيرة بني دبيس وذلك لسنة ونصف من ولايته الوزارة وصودر ابنه أبو العباس على ثلاثين ألف دينار وسر سلطان الدولة بقتل أبي غالب وبعث أبا كاليجار إلى الأهواز فملكها ، ^? ثم تراسل سلطان الدولة ومشرف الدولة في الصلح وسعى فيه بينهما أبو محمد بن مكرم صاحب سلطان الدولة ومؤيد الملك الرجحي وزير مشرف الدولة‏:‏ على أن يكون العراق لمشرف الدولة وفارس وكرمان لسلطان الدولة وتم ذلك بينهما سنة ثلاث عشرة‏.‏

  استيلاء ابن كاكويه على همذان

كان شمس الدولة بن بويه صاحب همذان قد توفي وولي مكانه ابنه سماء الدولة وكان فرهاد بن مرداويج مقطع يزدجرد فسار إليها سماء الدولة وحاصره فاستنجد بعلاء الدولة بن كاكويه فأنجلى بالعساكر ودفع سماء الدولة عن فرهاد‏.‏ثم سار علاء الدولة وفرهاد إلى همذان وحاصراها وخرجت عساكر همذان مع عساكر تاج الملك الفوهي قائد سماء الدولة فدفعهم ولحق علاء الدولة بجرباذقان فهلك الكثير من عسكره بالبرد وسار تاج الملك الفوهي إلى جرباذقان فحاصر بها علاء الدولة حتى استمال بها قوماً من الأتراك الذين مع تاج الملك‏.‏وخلص من الحصار وعاود المسير إلى همذان فهزم عساكرها‏.‏وهرب القائد تاج الملك‏.‏واستولى علاء الدولة على سماء الدولة فأبقى عليه رسم الملك وحمل إليه المال وسار فحاصر تاج الملك في حصنه حتى استأمن فأمنه وسار به وبسماء الدولة إلى همذان فملكها وملك سائر أعمالها‏.‏وقبض على جماعة من أمراء الديلم فحبسهم وقتل آخرين وضبط الملك وزارة أبي القاسم المغربي لمشرف الدولة ثم عزله كان عنبر الخادم مستولياً على دولة مشرف الدولة بما كان حظي أبيه وجده وكان يلقب بالأثير وكان حاكماً في دولة بني بويه مسموع الكلمة عند الجند‏.‏وعقد الوزير مؤيد الملك الرجحي على بعض اليهود من حواشيه مائة ألف دينار فسعى الأثير الخادم وعزله في رمضان سنة أربع عشرة واستوزر لناصر الدولة بن حمدان ونزع عنه إلى خلفاء العبيديين وولاه الحاكم بمصر‏.‏وولد له بها ابنه أبو القاسم الحسين ثم قتله الحاكم فهرب ابنه أبو القاسم إلى مفرج بن الجراح أمير طيء بالشام وداخله في الانتقاض على العبيديين بأبي الفتوح أمير مكة فاستقدمه وبايع له بالرملة‏.‏ثم صونع من مصر بالمال فانحل ذلك الأمر ورجع أبو الفتوح إلى مكة وقصد أبو القاسم العراق واتصل بالعميد فخر الملك أبي غالب فأمره القادر بإبعاده فقصد الموصل واستوزره صاحبها‏.‏ثم نكبه وعاد إلى العراق‏.‏وتقلب به الحال إلى أن وزر بعد مؤيد الملك الرجحي فساء تصرفه في الجند وشغب الأتراك عليه وعلى الأثير عنبر بسببه فخرجا إلى السندية وخرج معهما مشرف الدولة فأنزلهم قرواش‏.‏ثم ساروا إلى أوانا وندم الأتراك فبعثوا المرتضى وأبا الحسن الزينبي يسألون الإقالة وكتب إليهم أبو القاسم المغربي بأن أرزاقكم عند الوزير مكراً به‏.‏وشعر بذلك فهرب إلى قرواش لعشرة أشهر من وزارته وجاء الأتراك إلى وفاة سلطان الدولة بفارس وملك ابنه أبي كاليجار وقتل ابن مكرم ثم توفي سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة صاحب فارس بشيراز وكان محمد بن مكرم صاحب دولته وكان هواه مع ابنه أبي كاليجار وهو يومئذ أمير على الأهواز فاستقدمه للملك بعد أبيه‏.‏وكان هوى الأتراك مع عمه أبي الفوارس صاحب كرمان فاستقدموه‏.‏وخشي محمد بن مكرم جانبه وفر عنه أبو المكارم إلى البصرة وسار العادل أبو منصور بن مافنة إلى كرمان لاستقدام أبي الفوارس وكان صديقاً لابن مكرم فحسن أمره عند أبي الفوارس وأحال الأجناد بحق البيعة على ابن مكرم فضجر وماطلهم فقبض عليه أبو الفوارس وقتله ولحق ابنه القاسم بأبي كاليجار بالأهواز فتجهز إلى فارس وقام بتربيته بابن مزاحم صندل الخادم‏.‏وسار في العساكر إلى فارس ولقيهم أبو منصور الحسن بن علي النسوي وزير أبي الفوارس فهزموه وغنموا معسكره‏.‏وهرب أبو الفوارس إلى كرمان وملك أبو كاليجار شيراز واستولى على بلاد فارس‏.‏وتنكر للديلم الذين بها فبعثوا إلى من كان منهم بمدينة نسا فتمسكوا بطاعة أبي الفوارس‏.‏ثم شغب عسكر أبي كاليجار عليه وطالبوه بالمال فظاهرهم الديلم فسلم إلى النوبندجان ثم إلى شعب بوان‏.‏وكاتب الديلم بشيراز أبا الفوارس يستحثونه‏.‏ثم أصلحوا بينهما على أن تكون لأبي الفوارس كرمان ويعود أبو كاليجار لفارس لما فارقه بها من نعمته‏.‏وكان الديلم يطيعونه فساروا في العساكر وهزموا أبا الفوارس فلحق بدارابجرد واستولى أبو كاليجار على فارس‏.‏ثم زحف إليه أبو الفوارس في عشرة آلاف من الأكراد فاقتتلوا بين البيضاء واصطخر فانهزم أبو الفوارس ولحق بكرمان واستولى أبو كاليجار على فارس واستقر ملكه بها سنة سبع عشرة وأربعمائة‏.‏

  وفاة مشرف الدولة وملك أخيه جلال الدولة

ثم توفي مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة بن بويه سلطان بغداد في ربيع الأول سنة ست عشرة وأربعمائة لخمس سنين من ملكه‏.‏ولما توفي خطب ببغداد لأخيه جلال الدولة وهو بالبصرة واستقدم فلم يقدم وانتهى إلى واسط فأقام بها يخطب لأبي كاليجار ابن أخيه سلطان الدولة وهو يومئذ بخوزستان مشغول بحرب عمه أبي الفوارس كما قدمناه‏.‏فحينئذ أسرع جلال الدولة من واسط إلى بغداد فسار الجند ولقوه بالنهروان وردوه كرهاً بعد أن نهبوا بعض خزائنه وقبض على وزيره أبي سعيد ابن ماكولا واستوزر ابن عمه أبا علي واستحث الجند أبا كاليجار فعللهم بالوعد وشغل بالحرب وكثر الهرج ببغداد من العيارين وانطلقت أيديهم وأحرقوا الكرخ ونهاهم الأمير عنبر عن ذلك فلم ينتهوا فخافهم على نفسه فلحق بقرواش في الموصل وعظمت الفتن ببغداد ، ^? ولما عظم الهرج ببغداد ورأى الأتراك أن البلاد تخرب وأن العرب والأكراد والعامة قد طمعوا فيهم ساروا جميعاً إلى دار الخلافة مستعتبين ومعتذرين عما صدر منهم من الانفراد باستقدام جلال الدولة ثم رده واستقدم أبي كاليجار مع أن ذلك ليس لنا وإنما هو للخليفة ويرغبون في استدعاء جلال الدولة لتجتمع الكلمة ويسكن الهرج ويسألون أن يستخلف فأجابهم الخليفة القادر وبعث إلى جلال الدولة فسار من البصرة فبعث الخليفة القاضي أبا جعفر السمناني لتلقيه ويستخلفه لنفسه فسار ودخل بغداد سنة ثمان عشرة وركب الخليفة لتلقيه‏.‏ثم سار إلى مشهد الكاظم ورجع ودخل دار الملك وأمر بضرب النوب الخمس فراسله القادر في قطعها فقطعها غصباً ثم أذن له في إعادتها وبعث جلال الدولة مؤيد الملك أبا علي الرجحي إلى الأثير عنبر الخادم عند قرواش بالتأنيس والمحبة والعذر عن فعل الجند‏.‏أخبار ابن كاكويه صاحب أصفهان مع الأكراد ومع الأصبهبد كان علاء الدولة بن كاكويه قد استعمل أبا جعفر علياً ابن عمه على نيسابور خوست ونواحيها وضم إليه الأكراد الجودرقان ومقدمهم أبو الفرج البابوني‏.‏فجرت بين أبي جعفر وأبي الفرج البابوني مشاجرة وترافعا إليه فأصلح بينهما علاء الدولة وأعادهما‏.‏ثم قتل أبو جعفر أبا الفجر فانتقضى الجودرقان وعظم فسادهم فبعث علاء الدولة عسكراً وأقاموا أربعة أيام ثم فقدوا الميرة وجاء علاء الدولة وأعطاهم المال فافترقوا واتبعهم‏.‏وجاء إليه بعض الجودرقان وانتهى في اتباعهم إلى وفد وقاتلوه عندها فهزمهم وقتل ابني ولكين في المعركة ونجا هو في الفل إلى جرجان وأسر الأصبهبد وابنان له ووزيره وهلك في الأسر منتصف سنة تسع عشرة‏.‏وتحصن علي بن عمران بقلعة كنكور فحاصره بهاء الدولة وصار ولكين إلى صهره منوجهر قابوس وأطمعه في الدخكت‏.‏وكان ابنه صهر علاء الدولة على ابنته وأقطعه مدينة قم فعصى عليه وبعث إلى أبيه ولكين‏.‏فسار بعساكره وعساكر منوجهر ونازلوا مجد الدولة بن بويه بالري وجرت بينهم وقائع فصالح علاء الدولة علي بن عمران ليسير إليهم فارتحلوا عن الري‏.‏وجاء علاء الدولة إليها وأرسل إلى منوجهر يوبخه ويتهدده فسار منوجهر وتحصن بكنكور وقتل الذين قتلوا أبا جعفر ابن عمه وقبل الشرط وخرج إلى علاء الدولة فأقطعه الدينور عوضاً عن كنكور وأرسل منوجهر إلى علاء الدولة في الصلح فصالحه‏.‏دخول خفاجة في طاعة أبي كاليجار كان هؤلاء خفاجة وهم من بني عمرو بن عقيل موطنين بضواحي العراق ما بين بغداد والكوفة وواسط والبصرة وأميرهم بهذه العصور منيع بن حسان وكانت بينه وبين صاحب الموصل منافسات جرتها المناهضة والجوار فترددت الرسل بين السلم والحرب‏.‏وسار منيع بن حسان سنة سبع عشرة إلى الجامعين من أعمال دبيس فنهبها وسار دبيس في طلبه ففارق الكوفة وقصد الأنبار من أعمال قرواش فحاصرها أياماً ثم افتتحها وأحرقها‏.‏وجاء قرواش لمدافعته ومعه عريب بن معن فلم يجدوه فمضوا إلى القصر فخالفهم منيع إلى الأنبار فعاث فيها ثانية‏.‏فسار قرواش إلى الجامعين واستنجد دبيس بن صدقة فسار معه في بني أسد ثم خاموا عن لقاء منيع فافترقوا ورجع قرواش إلى الأنبار فأصلحها ورم أسوارها‏.‏وكان دبيس وقرواش في طاعة جلال الدولة فسار منيع بن حسان إلى أبي كاليجار بالأهواز فأطاعه وخلع عليه ورجع إلى بلده يخطب له بها‏.‏